هات طبق هنا يا بشمهندس ,لو سمحت يا بشمهندس (ك) كتر الزيت شوية .اخترقت الكلمات اذنى الساعة السابعة صباحا فى موقف ميكروباص بأحد أقاليم مصر منذ سنوات عديدة وأنا أرى سائقي الميكروباص وهم يوجهون كلامهم لشاب متوسط القامة مهندم الشكل يلبس نظارة طبية ويرتدى المريلة الشهيرة لبائعي الفول وأمامه عربة الفول الشهيرة التي تملأ ربوع مصر من أقصاها الى أدناها كل صباح, كان الشاب منكبا على عمله ويتعامل بود مع الجميع ولم يلحظني وانا أتأمله باستغراب شديد . كنت انتظر امتلاء الميكروباص حتى اذهب الى القاهرة للبحث عن عمل وجاءت جلستي بجوار السائق الذي كان يكلم الباشمهندس بائع الفول منذ قليل . وسألته هل بائع الفول مهندس فعلا فقال لى , انه طالب فى الفرقة الرابعة بكلية الهندسة ولقد كانت عربة الفول تخص والده رحمه الله إلى ان توفى وهو الابن الأكبر وله شقيقتان إحداهما فى كلية مرموقة والأخرى فى المرحلة الثانوية . ولقد صدمت الأسرة صدمة شديدة بعد وفاة الأب لكن الشاب ,كأي شاب مصري رجل. قرر فى لحظة يأس ان يترك الكلية ويبحث عن اى عمل ,فلقد مرض والده وترك ديونا وأحمالا ثقيلة تنوء بها الجبال , لكن الرجال فى الموقف لم يتركوا الشاب ولا أسرته واقترح احدهم عليه ان يحل محل والده على عربة الفول حيث يبدأ عمله بعد صلاة الفجر وينتهي فى الثامنة او التاسعة صباحا, وبالتالي يستطيع اللحاق بالكلية وان يأتى بمن يساعده اذا احتاج الى ذلك بعد فترة , وفعلا بدأ الشاب يعمل على عربة الفول كل صباح من صلاة الفجر الى الثامنة وبعدها يرحل. وأصبح الباشمهندس وجها مألوفا لى بعد تكرار رحلاتي اليومية للبحث عن عمل وبدأـنا نتبادل التحية , وصرت أتناول افطارى عنده وأتبادل معه الحوارات وعرفت انه يدرس نفس تخصصي وهو الكيمياء وأصبحنا أصدقاء وكم كان طعم الفول رائعا وكم كانت أحلامه البسيطة رائعة ان يعمل بشركة كبرى فى تخصصه وان تتزوج البنات . ولقد علمني صديقي العزيز درسا رائعا وهو انه ايا كانت ظروفك ومهما كان عملك فانت تستطيع ان تفرض على الناس اسلوبك وان تجبر الجميع على احترامك واحترام عملك فالكل فى الموقف كان يحترمه ويوقره على الرغم من صغر سنه وكان يقف ويحل المشاكل بين السائقين وكان مصدرا لثقتهم وفخرهم ,لقد تعلمت منه استخدام كل امكانياتى حتى اصل الى حلمى .تعلمت ان استفيد من وقتى فلقد كان يعمل ويذهب للكلية صباحا ويذاكر ويجهز ( طلبات) اليوم التالى مساءا ,ومرت الايام بكل ما فيها من ايام حلوة ومرة وتخرجت البنات وتزوجت .وصديقى (ك) يعمل الان مهندسا فى احدى شركات الدهانات العالمية وله اسرته الصغيرة ويسافر كثيرا الى الخارج ويتقاضى مرتبا مجزيا ويعيش حياة راقية. مع تمنياتي له بكل التوفيق والنجاح .
